recent
مستجدات

مشروع المؤسسة بالمغرب: مفهومه وسياقه التاريخي ومميزاته




مفهوم مشروع المؤسسة وسياقه التاريخي بالمغرب

لا يمكن فهم مشروع المؤسسة بقطاع التعليم في المغرب ولا الإجابة عن سؤال لماذا مشروع المؤسسة،  دون الرجوع إلى أصله، أو بعبارة أصح إلى سياقه التاريخي والمؤسساتي. فأسئلة أين ظهر في بداياته، وكيف انتقل إلى المغرب وما طابعه المؤسساتي مهمة جدا لفهم واستعاب مفهوم وفكرة مشروع المؤسسة الذي ظل معمولا به في المغرب. 

إذن فما هو السياق التاريخي والمؤسساتي لظهور مشروع المؤسسة بالمغرب؟ وما هو مفهوم أو تعريف مشروع المؤسسة، ثم ما أبرز مميزاته، وأهدافه؟


مشروع المؤسسة: المفهوم، السياق والمميزات والأهداف


1.   
الإطار المؤسساتي والسياق التاريخي لظهور مشروع المؤسسة.


ظهر مشروع المؤسسة باعتباره مظهرا من مظاهر التجديد التربوي في الغرب، وخاصة في الدول الأنجلوسكسونية. وتبنت فرنسا مشروع المؤسسة منذ أوائل الثمانينيات في مدارسها وثانوياتها، بل فرضته بنص قانوني صودق عليه في سنة 1989، يجبر المؤسسات على إعداد مشاريع خاصة بها. والحقيقة أن فكرة المشاريع التربوية قد تسربت متأثرة بالأدبيات الأنجلوسكسونية إلى نسيج النظام التعليمي الفرنسي قبل ذلك التاريخ بكثير. فمنذ سنة 1973 ألحت التوجيهات الرسمية على تخصيص 10% من استعمال الزمن، لإنشاء رفقة المتعلمين مشاريع في مواضيع تربوية تخرج عن إطار المواد الدراسية المقررة. وقد ارتبط مشروع المؤسسة في الغرب إجمالا بالتربية الحديثة الداعية إلى الحرية والمبادرة الفردية والفكر التعاوني التشاركي، وارتباط المدرسة بالحياة وانفتاحها على محيطها وسياقها السوسيو-اقتصادي في إطار منظور عملي ومنفعي براجماتي ليبرالي".[1]
أما ببلدنا المغرب فقد ظهر مشروع المؤسسة منذ 1994 مع المذكرة الوزارية رقم 73 تحت عنوان (دعم التجديد التربوي في المؤسسات التربوية)، ومع المذكرة الوزارية رقم 27 بتاريخ 24- فبراير 1995 التي تحمل نفس العنوان. تذهب المذكرة الوزارية الأولى إلى الدعوة لتبني مشروع المؤسسة: "إنه من المفيد أن تشارك المؤسسات التعليمية بما تتوفر عليه من إمكانيات مادية وبشرية في الرفع من مردودية التعليم والارتقاء بمستواه عن طريق دراسة بعض الظواهر الخاصة والبحث في معالجة ما يطرح عليها من قضايا تربوية تتعلق بعناصر ومكونات العملية التعليمية. ولن يتأتى ذلك إلا إذا تظافرت جهود كل الأطراف المعنية بالعمل التربوي كل حسب اختصاصاته ومجال عمله واستعداداته." [2] ومن ثم، لابد أن يكون مشروع المؤسسة تربويا يقوم بإثراء البحث الميداني والمساهمة في تنمية التجديد التربوي على الصعيد المحلي، ورفع مستوى التعليم وزيادة فعالية العمل التربوي ونجاعته في تحقيق الترقي الذاتي للمتعلمين، وفي جعل المدرسة عنصر تنمية وإشعاع. أما عن مواصفات المشروع ــ كما تقترحه المذكرة ــ  فتتمثل في مراعاة طبيعة المؤسسة أو المؤسسات المعنية وتشخيص مسبق للقضايا ذات الأولوية التي لها علاقة بمحيطها البيئي والاقتصادي، وأن يتسم المشروع بالواقعية وإمكان تطبيقه اعتمادا على الإمكانيات الذاتية المتوفرة، وأن يساهم في إعداده المتعلمين والأطر التربوية والإدارية وآباء التلاميذ وأولياؤهم، وكذلك المشرفون على التكوين والتأطير والمراقبة في المؤسسة والمؤسسة المعنية بالدخول معها في مشروع مشترك. كما يندرج في إطار تطبيق التوجهات الكبرى لوزارة التربية الوطنية المحددة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين والرامية إلى اعتماد اللامركزية واللاتركيز كخيار استراتيجي، إرساء المقاربة التشاركية والشمولية، اعتماد مبدأ التعاقد والتدبير بالنتائج، اعتماد أدوات التدبير الاستراتيجي، تبني سياسة القرب...[3]

2.   مفهوم مشروع المؤسسة: غنى التعاريف ووحدتها.


أٌعطي لمشروع المؤسسة عدة  تعاريف، وتكاد تتفق في مجملها - أو على الأقل - تقترب من توحيد التعريف، ونستحضر هنا بعض التعاريف التي نراها جامعة وشاملة.
يعتبر مشروع المؤسسة إطارا ومقاربة وآلية، يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات والحاجات المحلية للمؤسسة وروادها، ويتشكل من مجموعة من العمليات المرتبطة والمتناسقة والمتكاملة والمتمحورة حول هدف أو عدة أهداف، والتي يراد بها تحسين فعالية المؤسسة ونجاعة خدماتها والرفع من جودتها. ويمكن تعريفه ببساطة بأنه خطة عمل تساهم جميع الأطراف المعنية في بلورتها، وترمي إلى تجسيم مشروع مدرسة النجاح على مستوى المؤسسة، معتبرة خصوصياتها ومحيطها، وهو بمثابة عقـد تلتزم هذه الأطراف بتنفيذه على مراحل.[4] هو أيضا خطة تفرض نفسها بدافع الحاجة إلى الانتقال من وضع قائم إلى وضع مرغوب فيه، وتتميز هذه الخطة بكونها متكاملة العناصر ومتناسقة، تسعى إلى تحقيق الأهداف التي حددتها المؤسسة لنفسها وذلك بعد تشخيص محكم، وضبط دقيق للإمكانيات المادية والبشرية وترتيب للأولويات، مع مراعاة الوسط المدرسي والمحيط الخارجي.[5]
أما الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة في الدليل المرجعي فتعطيه تعريفا بسيطا وشاملا، إذ تعتبره إطارا منهجيا يوجه جميع الفاعلين التربويين والشركاء، والآلية العملية لتنظيم وتفعيل مختلف العمليات التدبيرية والتربوية الهادفة إلى تحسين جودة التعلمات لجميع المتعلمين والمتعلمات وأجرأة السياسات التربوية داخل كل مؤسسة تعليمية مراعاة خصوصياتها ومتطلبات انفتاحها على محيطها.[6]
إنه إذن، تخطيط معقلن لما تود المؤسسة التعليمية تحقيقه من أهداف شمولية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وليس مجرد أنشطة متقطعة وقطاعية، بل رؤية بصيرة تحتاج إلى تعبئة الفاعلين والتنسيق فيما بينهم. إنه يحتاج إذن إلى محرك فاعل (المدير) ذو إرادة ومبادرة.



<><>

3.   مميزات وخصائص مشروع المؤسسة  الناجع.











* التعبير عن الحاجات والخصوصيات المحلية للمؤسسة ومحيطها: المشروع ينبني على منظور شامل لرسالة المؤسسة وتشخيص وضعيتها الحالية والوضعية التي تنشد الوصول إليها، انطلاقا من حاجات وخصوصيات كل من المتعلمين والمؤسسة والشركاء؛
*   تفعيل التدبير المحلي للتربية والتكوين: المشروع يحول المدرسة من مجرد وسيط للتنفيذ إلى مؤسسة مبادرة تساهم في التجديد والتغيير والإصلاح في إطار من التوافق والتكامل بين الوطني والجهوي والمحلي؛
* الانسجام بين مختلف الأنشطة والممارسات التربوية للمؤسسة: المشروع خطة رابطة تحقق الانسجام بين الأعمال والأنشطة التي تنجزها المؤسسة؛
* الاستمرارية: المشروع خطة مستمرة تتضمن مراحلا وأعمالا وأنشطة متوالية تستند إلى التخطيط والبرمجة والتنظيم، وليس نشاطا ظرفيا أو موسميا يظهر أو يختفي حسب الظروف والمناسبات؛
* الشمولية: المشروع خطة شمولية جامعة لكل الأعمال التي تبرمجها المؤسسة وتنجزها بتعاون مع شركائها؛
*  القيادة الفعالة: المشروع الموفق يتطلب مديرا مدبرا يقدم القدوة الحسنة للمساهمين والمعنيين في الاقتناع بالمشروع، والانخراط في أعماله، والتواصل، والتنشيط، والتنظيم، والتتبع والتقويم؛
*  تقوية الشعور بالانتماء إلى المؤسسة: المشروع ينمي روح الفريق والانتماء إلى المؤسسة لدى كافة المساهمين والمعنيين بالمشروع من متعلمين ومدير وأساتذة وآباء وشركاء، ويعزز انخراطهم في أعماله؛
* تفعيل المقاربة التشاركية: المشروع الموفق يعتمد المقاربة التشاركية والحوار المفتوح عبر كافة المراحل؛
*   تفعيل مبدأ التراضي: المشروع يفعل مبادئ التراضي والتوافق وأساليب الاستشارة والإقناع والاقتناع؛
*  القدرة على استقطاب العاملين في المؤسسة والشركاء: المشروع الموفق يتصف بخصائص تدعم إقبال المتعلمين والأساتذة والشركاء على الانخراط فيه، وتجعلهم حريصين على إنجاحه؛
* التدبير بالأهداف والنتائج: المشروع يتيح للمؤسسة الانتقال من التدبير بالمساطر والإجراءات الشكلية إلى العمل بالمقاربات الحديثة في التدبير عن طريق التدبير بالمشاريع الذي يتطلب التدبير بالأهداف أو النتائج القابلة للقياس والتقويم وتحديد مدى الفعالية؛
* الواقعية: المشروع الناجح يجمع بين الطموح والواقعية، ويراعي الأولويات والموارد البشرية والمادية والمالية للمؤسسة ولشركائها المنخرطين معها... [7] 

4.   أهداف مشروع المؤسسة: متعددة وطموحة، بل مهيكلة 

يندرج مشروع المؤسسة في إطار الرهانات العامة للنظام التربوي، إذ يشكل جزءً من مشروع شامل يرمي إلى كسب الرهانات المطروحة بالتعليم. وتتمثل أبرز أهداف مشروع المؤسسة حسب الاستراتيجية الوطنية في:

  • *      تنمية منهجية التدبير الجماعي للمؤسسة التعليمية من خلال تفعيل آليات المشاركة في اتخاذ القرارات؛
  • *      إذكاء دينامية التخطيط الاستراتيجي للشأن التربوي بالمؤسسات التعليمية؛
  • *      تعبئة الفاعلين التربويين حول المدرسة؛
  • *      تقاسم الأدوار والمسؤوليات بالمجتمع التربوي داخل هيئات القيادة؛
  • *      تحسين فاعلية المؤسسات التعليمية من خلال الحد من نسب الفشل الدراسي ومن السلوكات السلبية وتحسين نتائج التحصيل الدراسي؛ 
  • *       احترام زمن التعلم والتتبع الفردي للمتعلمين ودعمهم المستمر؛
  • *      تشجيع المبادرة والابتكار وتنمية المواهب؛
  • *       تفعيل استعمال الوسائل التعليمية وصيانة الفضاءات والتجهيزات المدرسية...[8] 

مسك الختام


هكذا، يمكن القول على أن مشروع المؤسسة في سياقه التربوي، هو خيار منتهاه إحداث زوبعة تأتي على جملة من المفاهيم والتصورات التدبيرية والتربوية التي اعتلت عرش المؤسسة التعليمية لفترة غير هينة من الزمن، أبرزها الانفرادية والعشوائية والانغلاق.. ولعل دواعي وخلفيات التبني الرسمي لفكرة مشروع المؤسسة متعددة ومتنوعة، تمتد عبر خطوط يوازي فيها السياسي ما هو اجتماعي وثقافي وتربوي، في اتجاه تصاعدي يروم تجديد وتطوير وتحديث المدرسة المغربية.



بقلم ذ: الحسن طموح


المصادرالمعتمدة في تدوين هذا المقال:


[1]  مشروع المؤسسة، مقال مجهول الهوية، منشور في الانترنت.
[2]  محمد ابراهيمي، "مشروع المؤسسة بين التجميد والتفعيل" . مقال منشور في الانترنت.
[3] وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، 2011، الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة: ملخص تركيبي، ص4.
[4] ذ. محمد أمعارش، ( 2010 ـ 2011 )، "مشروع المؤسسة آلية لتفعيل الحياة المدرسية وتدبير المؤسسات التعليمية"، تكوين مديري التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي والنظار الجدد، الأكاديميــة الجهويـــة للتربيـــة والتكويـــن لجــهــــــة الـــــــدار البيضـــاء الكبـــــــرى، ص7.
[5] ذ. بومجــان مريــم، 2009، "الميزانية  في ظل الإصلاحات التربوية"، ملتقى تكويني لفائدة المسيرين الماليين  بثانوية العربي التبسي تبسة، الجزائر، ص 8 .
[6] وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، 2011، "الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة، الدليل المرجعي"، ص 4.
[7]  مقال مجهول الهوية، ص3.
[8]  وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، 2011، "الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة، الدليل المرجعي" ص 4


مقالات ذات صلة: 

مشروع المؤسسة بالمغرب: مفهومه وسياقه التاريخي ومميزاته
موجات المعرفة

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent